هل أنّ بكاء عائشة بعد الحرب كان لخسارتها المعركة أم الندم على فعلها ؟

السؤال :
عندما قامت عائشة بنت أبي بكر بجمع كل خيول بني أميّة ومرتديها ، وحاربت أمير المؤمنين عليه السلام خليفة رسول الله ، يقال أنّها قامت تبكي ؛ فهل أنّ بكائها لخسارتها المعركة أم لشيء آخر ندمت على فعلتها ؟
الجواب :
لا هذه ما يرون أنّ عائشة ندمت على خروجها ، وهي ذهبت لتصلح بين أولادها ، لكن صار الحرب ، وقادت ۱۲۰ ألف في المعركة ، وطاولت المعركة ستّة أو سبعة أيام ، فهي ذهبت لتصلح ، وما كانت نيّتها الحرب. وجاء جماعة هم طرف ثالث سبأية وشعلوا الحرب ، وهذه من لعبهم يريدون أن يبرئون عائشة ؛ لأنهم يعرفون الحقّ مع علي (۱) ، ويقولون بأن عائشة والطلحة والزبير اجتهدوا فأخطؤوا ، و عائشة تابت ؛ والدليل على ذلك أنّها تابت. فكانت إذا ذكرت حرب الجمل تبكي حتّى تبلّ خمارها (۲) ، يعني مقنعتها تبتل.
عندنا نحن أنّها لم تتب ، عندما بلغها خبر قتل علي عليه السلام سجدت لله شكراً ، ومدحت ابن ملجم (۳) ، وكان لها عبد سمّته عبد الرحمن ، وعتقت عبداً آخر ، وبعثت رسالة لمعاوية تحرّكه على علي عليه السلام (٤). فعندنا ما تابت.
والشيخ المفيد رحمه الله عنده كتاب صغير مطبوع ، وتستطيعون أن تحصلوا عليه من الانترنت اسمه : « الكافئة في إبطال توبة الخاطئة » يثبت أنّها لم تتب ، ولذلك كانت تقول : فأن أحدثت لا تدفنوني عند النبي ، أنا أخاف ، وأستحي ، فدفنوني بالبقيع (٥).
إذن لم يثبت انّها تابت وعندنا أنّها لم تتب من خطيئتها.
الهوامش
۱. ابن مردويه ، عن أبي ذر ، أنّه سئل عن اختلاف الناس ، فقال : عليك بكتاب الله ، والشيخ عليّ بن أبي طالب عليه السلام فإنّي سمعت النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول : « عليّ مع الحق ، والحق مع عليّ وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار عليّ » ، وعن ابن مردويه ، عن عائشة ، أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال : « الحق مع عليّ ، يزول معه حيث ما زال » [ كتاب مناقب علي بن أبیطالب علیه السلام « لابن مردويه » / الصفحة : ۱۱٥ ]
۲. تاريخ مدينة دمشق « لابن عساكر » / المجلّد : ۳٤ / الصفحة : ۲۲۰.
۳. أنها لما قتل أمير المؤمنين جاء الناعي ، فنعى أهل المدينة ، فلمّا سمعت عائشة بنعيه استبشرت ، وقالت متمثلة :
فان يك ناعيا ، فلقد نعاه لنا من ليس في فيه التراب
فقالت لها زينب بنت أبى سلمى ألعلي تقولين ؟! فتضاحكت ، ثمّ قالت أنسى ، فإذا نسيت ، فذكروني ! ثمّ خرّت ساجدة شكراً على ما بلغها من قتله ، ورفعت رأسها ، وهي تقول :
فألقت عصاها ، واستقر بها النوى كما قر عينا بالإياب المسافر
[ الجمل « للشيخ المفيد » : الصفحة : ۸٤ ]٤. وروى محمد بن إسحاق أن عائشة لما وصلت إلى المدينة راجعة من البصرة ، لم تزل تحرض الناس على أمير المؤمنين عليه السلام ، وكتبت إلى معاوية وإلى أهل الشام مع الأسود بن أبي البختري ؛ لتحرضهم عليه. وروي عن مسروق أنه قال : دخلت على عائشة ، فجلست إليها فحدثتني، واستدعت غلاماً لها أسود يقال له : عبد الرحمن حتّى وقف ، فقالت : يا مسروق أتدري لم سمّيته عبد الرحمن ؟! فقلت : لا ، فقالت : حبّاً منّي لعبد الرحمن بن ملجم. [ الشافي في الإمامة « للسيد الشريف المرتضى » / المجلّد : ٤ / الصفحة : ۳٥٦ ]
وفي بحار الأنوار ، بعد نقل هذا الخبر يقول المؤلف : ولو ذهبنا إلى تقصي ما روي عنها من الكلام الغليظ الشديد الدالّ على بقاء العداوة واستمرار الحقد والضغينة لأطلنا وأكثرنا. [ بحار الأنوار « للشيخ المجلسي » / المجلّد : ۳۲ / الصفحة : ۳٤۲ / الناشر : مؤسسة الوفاء / الطبعة : ۲ ]
و [ أما ] ما روي عنها من التلهف والتحسر على ما صدر عنها ، فلا يدلّ على التوبة ؛ إذ يجوز أن يكون ذلك من حيث خابت عن طلبتها ، ولم تظفر ببغيتها مع الذل الذي لحقها ، وألحقها العار في الدنيا والإثم في الآخرة.
كانت تسب أمير المؤمنين عليه السلام
ونادى أمير المؤمنين عليه السلام محمّد بن أبي بكر فقال : سلها ، هل وصل إليها شيء من الرماح والسهام ، فسألها. قالت : نعم ، وصل إليّ سهم خدش رأسي ، وسلمت من غيره الله بيني وبينكم ، فقال محمد : والله ، ليحكمن عليك يوم القيامة ما كان بينك وبين أمير المؤمنين عليه السلام حتى تخرجين عليه ، وتؤلبين الناس على قتاله ، وتنبذي كتاب الله وراء ظهرك ، فقالت : دعنا يا محمد ! وقل لصاحبك يحرسنى ، وكان الهودج كالقنفذ من النبل ، فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وأخبرته بما جرى بيني وبينها ، وما قلت ، وما قالت.
فقال عليه السلام هي امرأة والنساء ضعاف العقول ، فتول أمرها ، وأحملها إلى دار عبد الله بن خلف حتى ننظر في أمرها ، فحملتها إلى الموضع ، وإن لسانها لا يفتر من السب لي ولعلي والترحم على أصحاب الجمل. [ الجمل « للشيخ المفيد » / الصفحة ۱۹۷ ـ ۱۹۸ ]
٥. ففي العقد الفريد ، قالت : لا ؛ لأنّي أحدثت بعده حَدَثاً ، فادفنوني مع أخواتي بالبقيع. [ العقد الفريد / المجلّد : ٥ / الصفحة : ۷۹ ]
وفي صحيح البخاري : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ : « ادْفِنِّي مَعَ صَوَاحِبِي ، وَلاَ تَدْفِنِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي البَيْتِ ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُزَكَّى ». [ صحيح البخاري / المجلّد : ۹ / الصفحة : ۱۰٤ ]
ونقل عن السيّدة عائشة أنّها قالت : لا تدفنوني مع النبيّ ؛ لأنّي أحدثت ، فادفنوني مع أزواج النبيّ. [ مستدرك الحاكم / المجلّد : ٤ / الصفحة : ٦ ، طبقات ابن سعد / المجلّد : ۸ / الصفحة : ۷٤ ]
الشيخ علي الكوراني